الأربعاء، 10 أبريل 2013

الوعل اليمني .





حفلت الحضارة اليمنية القديمة بالكثير من الإنجازات والشواهد الأثرية التي لاتزال تكتشف تباعاً لتدل بتنوعها واختلاف أشكالها وموادها ، على تمتع اليمن بممالكه ودياناته وأسلوب حياة أبنائه، بالقدرة على مجاراة الحضارات العريقة المعر...وفة في بلاد الرافدين ومصر وغيرها من حضارات الشرق الأدنى القديم وكان للفنان اليمني القديم الإسهام الواسع الذي يعكس مقدرته وحنكته في تلبية رغبات وهموم الناس ومتطلبات الحياة الخاصة والعامة وكان الوعل كحيوان بري ذا مكانة هامة ليس لصفته الحيوانية كأفضل قربان للآلهه في معابدها وحسب وإنما لما يمثله بصفته الطبيعية إلى جانب شكل قرونه الملتوية كتدوير الهلال والقمر لذلك كان اهتمام الفنان اليمني القديم بشكل الوعل (بالنحت المستقل أو ذي الثلاثة أبعاد والبارز ذي البعدين والرسم المسطح والتصوير) كرمز ديني وفني وتتفرد اليمن بامتلاك أقدم أنواع الإنتاجات الفنية لحيوان الوعل عن غيرها من الحضارات القديمة.
الوعل في اللغة والطبيعة
الوعل جمع أوعال ووعول ويقال له: الأروى جمع أروية ،وأنثاه: أروية أيضاً (جمع القلة) : أراوي، وجمع الكثرة: أروى اسم جمع على غير قياس ويعرف بـ (ibex) والوعل هو تيس الجبل، أو الحيوان البري المعروف والمشهور بتأبده في الجبال، وتسنمه لعوالي القمم بل لأكثر شناخيبها علواً أو حدة، حيث سميت الأوعال بالعصم لأعتصامها في الشواهق.
وللوعل في حياة اليمنيين القدماء ودياناتهم مكانة، ولها في نفوسهم ذكر، وذلك لثلاثة اسباب:
أولها: أنه منذ العصر السبئي المبكر، تأسس طقس ديني هو الصيد المقدس، وخاصة (صيد عثتر) الذي كانت تقام له شعائر موسمية، يتصدرها المكرب أو الملك السبئي وكبار القوم، وكان الوعل هو قوام هذا الطقس.
وثانيها: أن اليمنيين القدماء اتخذوا من الوعل وخاصة من الفحل -قائد القطيع- رمزاً يجسد الإله عثتر إله المطر والخصب والإخصاب، وكان عثتر إلهاً عاماً لجميع اليمنيين وليس له خصوصية، ولهذا كان له معابد في جميع أنحاء البلاد، وكانوا يتقربون إليه في هذه المعابد بأصنام كثيرة على شكل الوعل، كما تعتبر اللوحات المنحوتة بزخارف أشكال الوعل من ابرز ما عثر عليها في المعابد من عناصر زخرفية، وخير مثال على ذلك معبد برآن.
ثالثاً: الكثرة العظيمة التي كانت لقطعان الأوعال في جميع أنحاء اليمن وخاصة في المشارق، والمرابع الأولى للحضارات اليمنية القديمة، وللتدليل على ذلك يذكر نقش مسندي واحد ان صاحبه وهو (شريح ـ شرحم ـ أيمن الهمداني) صاد (مع أعوانه) ثلاثة الآف وعل من جبال صولان في منطقة مرهبة من بكيل ولهذا فإن الصيد التجاري كان قائماً إلى جانب الصيد الديني.
وفي نقش من شبام الغراس نشره د. محمد باسلامه في كتابه (شباب الغراس دراسة تاريخية أثرية) يتحدث صاحبه عن صيد وذبح عدد مائة وعل ليقدمها إلى إلهة الشمس لمناسبة دينية كقربان.
وتكثر النقوش المماثلة لصيد وذبح الوعل مما يدلل على أهمية وتفضيل لحمه عن غيره من الحيوانات.
وتصف كتب الموسوعة الطبيعية أن الوعل شديد الحذر والانتباه ويحس بصياده في الجوار ويرقد على ظهره ويضع قرناه على الأرض وينحدر من أعلى الجبل إلى أسفله بهذه الطريقة فوق الصفاء أو الصخر الأملس حتى ينجو من الصياد. وينتقل الوعل في قطعان وهذه القطعان تشكل مجموعات صغيرة أو رمز اسرية أصغر، ويغلب اللون البني عليها، ومن طبيعة قرناها أنها جوفاء وليست مصمتة وتتسلح بها للدفاع عن نفسها أو الهجوم وقرونها تنمو باستمرار ولا تتساقط وفيها ما يشبه العقد كل عقدة تنمو كل سنة أما خلافها من قرون الأيائل.. فهي مصمتة وتسقط بعد مضي عام ثم تنمو من جديد خلال عام آخر.
أهتم النحات القديم بنحت ونقش شكل الوعل كحيوان له مكانة رمزية مقدسة في معابد الآلهة اليمنية القديمة (الشمس، القمر، الزهرة) بمسمياتها المعروفة (ذات حميم، المقه، عثتر) إلى جانب تكريسها في مضامين نقوش المسند كنذور، وقد جاءت أنواع من المنحوتات والنقوش كدليل مادي على أهميتها ومكانتها من بين أهم الرموز الدينية إلى جانب الثور أيضا، وأكثر ما يبرز اعمال النحت للوعل ما يعرف باسم (افاريز الوعول) وهو نمط معماري فني ديكوري استخدم لتزيين واجهات المعابد وجدرانها الداخلية إذ نرى ذلك في الجزء العلوي من سور معبد المقه في صرواح العاصمة القديمة لمملكة سبأ والواقعة إلى الجنوب الغربي من مدينة مأرب، ويمكن مشاهدة سور المعبد المستدير تزينه في الأعلى أفاريز من رؤوس الوعل خاصة في الواجهة الشرقية يذكر أن يدع الذريح بن سمه على مكرب سبأ في القرن الثامن الميلادي كان قد بنا المعبد للإله المقه.
كما كشفت اعمال التنقيب الأثري التي اجريت في معبد المقه برآن المعروف باسم (عرش بلقيس) بمأرب والتي قامت بها البعثة الأثرية الألمانية، كشفت عن العديد من القطع الحجرية من أفاريز الوعل التي كانت تزين جدرانه الداخلية. ولا تزال الكثير من هذه الانواع متواجدة في مواقع أثرية كثيرة وفي قاعات المتاحف اليمنية وفي الخارج الكثير من هذه الأفاريز.
المنحوت أغلبها من حجر الجيري الأبيض (البلق) والرخام والمرمر ونادراً من الخشب. ومظهرها الجميل في صف رؤوسها المستطيلة الوجوه والملتوية القرون متجاورة تبرز أشكالها من كتلة الحجر المنحوتة منه.
إلى جانب ذلك اهتم النحات اليمني القديم في نحت أشكالها كمقدمة لمنحوتات الأعمال الهندسية المحورة والمنحوتة من الحجر أو المصنوعة من المعدن. كما جاءت مرافقة للمسارج البرونزية التي تشبه في شكلها القارب اذ نراها معتلية المسرجة. مرتكزة بقوائمها الخلفية أو الجزء السفلي من بدنها على مؤخرة المسرجة وتظهر متوثبة في حالة حركة بقوائمها الأمامية.
وتأتي أشكال حيوان الوعل بأوضاع جلوس القرفصاء في مربعات تشكل أفاريز جانبية للوحات من الحجر الجيري والرخام مزينة لكتابات نذرية بخط المسند ويمكن مشاهدة ذلك على لوحات كبيرة الحجم موضوعة في المتحف الوطني بصنعاء جاءت من مواقع أثرية بمحخافظة الجوف والتي لا تزال فيها أعمدة معمارية لمعبد عثتر والمسمى (معبدينات عاد) المزينة بأشكال نسائية وثعابين ووعول وحراب.. على هيئة صفات زخرفية تعتبر فريدة من نوعها في طرازها.


الوعل في الرسوم الصخرية


يعد الوعل من أقدم ما شغل بال الفنان اليمني في عهود موغلة في القدم، إذ تفيد الدراسات الحديثة وجود رسوم الوعل على مسطحات صخور في أنحاء كثيرة من اليمن تعود إلى العصر الحجري أي منذ أكثر من سبعة الآف عام وتوالت رسومها كذلك في فترات التاريخ اليمني القديم.
ومن المعروف لدى المهتمين أن النحات اليمني القديم قد اهتم بإخراج اشكال الرموز الدينية بعناية فائقة نظراً لما تمثله من اهمية دينية.
الأمر الذي نرى فيه وضوح الملامح والمحافظة على نسب الجسم متوازنة خاصة في حال تجسيد التمثال كاملاً، أو كتلة الرأس بارزة في مجموعة الأفاريز وقد أوضح الجوانب منها في نهاية صف الرؤوس إذ يبرز الجزء الأيمن والأيسر مع الأرجل واقفة.
وقد اتخذت قرون الوعل المنحوتة بمفردها كنذور وهذا ما أثبتته مكتشفات حديثة في معبد يقع في رأس جبل حجاج ولا يزال الوعل يحتل مكانة خاصة لدى اليمنيين إذ لا تزال في حضرموت تقام مواسم لصيد الوعول والاحتفالات بها سنويا مع رفع قرونها عالياً بأيدي أشخاص يقومون بالرقص والغناء، كما لا يزال اليمنيون يتخذون من قرون الوعل زينة على أركان منازلهم.

هناك تعليقان (2):

  1. جهد جبار ونحتاج الى محميه طبيعيه لهذا النوع النادر

    ردحذف